"اسمي مهدي.. وأبلغ 26 سنة، أنا مثلي جنسيا، ومصاب بداء السيدا.. وتعرضت للتشهير" هكذا يبدأ مهيدو "اسم مستعار" في سرد قصته لهسبريس مع مرض يتقاسمه مع أكثر من 10 آلاف مغربي، وقضية تشهير لحقته يسرد معاناته المريرة معها.
"السيدا صالحتني مع أسرتي"
عائلة الشاب لم تتقبل أمر مثليته الجنسية أول الأمر، أخ أكبر قاسي التعامل، وأبوان رافضان للأمر. غادر الدراسة بعد أن صعب عليه التعايش مع وسط يقصي "المثليين" من التربية والتعليم، وأغلقت جميع الأبواب في وجهه، فطرق آخرها.
"خرجت ليها نيشان، وامتهنت الدعارة لأصرف على نفسي، وأجد مدخولا قارا أسترزق منه" يقول مهيدو بتحسر، قبل أن يضيف "تغير كل شيء في حياتي بعد أن قرر أصدقائي إجراء الفحص الطبي للكشف عن السيدا، اقتنعت بالفكرة ووضعت احتمالين واضحين إما نتيجة سلبية أو إيجابية، وهيأت نفسيتي لتقبل الاثنين".
أخذ "مهيدو" وقته الكافي، واستعد نفسيا لذلك. كانت النتيجة إيجابية، "إنا لله وإليه راجعون" هو كل ما نطق به كرد فعل، ليبدأ رحلة التعايش مع المرض.
سنة 2007 استنجد الشاب بجمعية محاربة داء السيدا التي أرشدته إلى الدار البيضاء من أجل الحصول على الأدوية الضرورية لمتابعة حالته، واستمر في المداومة على المركز الاستشفائي بالعاصمة الاقتصادية كل 3 أشهر، بدون علم عائلته إلى حدود 2008.
"لا زلت أتذكر جيدا، كان ذلك مساء عيد الأضحى حيث اضطررت إلى جلب دوائي إلى منزل العائلة، فضربني أخي ووبختني عائلتي بعد أن اكتشفوا الأمر" عاصفة من النواح والعويل بمنزله طوى بعدها صفحة الدعارة، وعاد إلى حضن أسرة استقبلته من جديد، وحضن جمعية ملأت أوقات فراغه في مساعدة الآخرين، وتحسيسهم بتوزيع وسائل الحماية.
في سنة 2009 بدأ "مهيدو" يشتغل في إطار مشروع جديد لجمعية محاربة السيدا "أصبحت أشتغل بمدخول قار، وأصرف على عائلتي، وارتحت من جانب المال، ولم أفكر بالعودة إلى الدعارة بتاتا، ولم يعد لدي الخوف من الغد"، حيث استمر استقراره إلى حدود 2011 حيث دخلت قصته مسارا آخر.
" بوليس التشهير"
تم القبض على "مهيدو" في حوالي الساعة 9 مساءا في أحد ليالي 2011 ، وهو يقوم بتوزيع العازل الطبي بأحد الأحياء المعروفة بانتشار "المثليين وعاملات الجنس" بمكناس، رفضوا تصديق الأمر، واعتبروا أن توفره على كميات كبيرة من الواقي الجنسي دليل على ممارسته الدعارة، وأجبروه على ركوب سيارة الشرطة.
"خلال فترة التحقيق أخبرت الشرطة أنني حامل لفيروس نقص المناعة المكتسبة، لعلهم يفهموا لماذا أقوم بذلك العمل، وأحظى بقليل من الشفقة. إفصاحي عن احتضاني للفيروس أساء معاملتهم لي بشكل أكبر، وأصبحت مركز سخرية وتهكم، أولا لأني "مثلي"، وثانيا لأني مصاب بالسيدا".
وتابع الشاب "حاكموني على إثر ذلك بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة توزيع الواقي، وأيضا أضافوا إليها تهمة "الشذوذ"، مع العلم أنهم لم يضبطوني في أي وضعية أو أي شكل من الأشكال يثبت ذلك، بل لأنهم لم يعجبهم شكلي وحركاتي" يقول المهدي متحسرا. كان هذا الجزء الأول من قصة التشهير غض عنها الطرف، لكن الجزء الثاني كان سنة 2013 ، "في نهاية شهر دجنبر 2013 كنت أجلس مع صديقة لي بإحدى المقاهي التي تشرب فيها "الشيشة" لمن يطلبها. لم نكن ندخن "الشيشة"، بل كنا جالسين نتصفح فقط الانترنت على حاسوبي بالمقهى، وفجأة اقتحمت الشرطة المقهى، وبدأت في اعتقال كل من يتعاطى "الشيشة" فقط، ومن سوء حظي كان من بين رجال الشرطة الذين اقتحموا المقهى شرطي من الذين اعتقلوني سنة 2011 بسبب توزيع الواقي، وكان يعرف أني مصاب بفيروس نقص المناعة. فقال الشرطي لصديقه "جيب هذاك حتى هو راه كنعرفوا !" واعتقلت بلا سبب مرة أخرى، لا لشيء سوى أن الشرطي يعرف أنني مصاب بالفيروس".
وفي المخفر، انتشر خبر مرض "مهيدو" بين المعتقلين الذين يعرفون وجهه بالمدينة بسبب طبيعة عمله مع الجمعية وتوزيعه الواقي لعدة سنوات. "كان تعامل الشرطة معي لا إنسانيا، فمثلا قيل لي "احمل هذا القلم ووقع على الورقة، وارم بعد ذلك القلم في القمامة"، يقول المهدي.
أخبروا أحد أفراد الشرطة خارج أوقات عمله بأمره لمجرد أنه ابن الحي الذي يقطن به، ومن خلاله بات بعض سكان الحي أيضا يعلمون بأمر مهيدو. "خلال فترة احتجازي طالبت الشرطة بأن أشرب دوائي، لكنها حرمتني منه طيلة 3 أيام رغم خطورة الأمر".
من يحمي المهدي؟
اعتقل الشاب من مكان عمومي بالقرب من ولاية الأمن سنة 2011، وحوكم، ولم تحرك جمعية مكافحة السيدا ساكنا، على حد قوله، رغم أنه كان يعمل معهم رسميا، وتنكروا له وكان ردهم أنه يوزع الواقي الجنسي خارج وقت عمله.
فكر في مغادرة الجمعية، لكنه لم يستطع، لأنها المصدر الوحيد الذي يجني منه مالا للعيش، واضطر للاستمرار معهم "رغم عدم دفاعهم عنه"، يورد مهيدو الذي زاد " لجأت لجمعية محاربة السيدا لتساعدني، وقدمت لهم تقريرا عما حصل، وقالوا إنهم سيتصلون بجمعية حقوقية لمساعدتي".
وتابع "اتصلوا بي بعد مدة للحضور إلى الجمعية، وقال لي المسؤول هناك أنه ممكن أن أرفع دعوة على من قام بالتشهير بي، ولكن الجلسة ستكون مفتوحة، ومن لم يعرف بعد أني مصاب سيعرف، وربما يلتقطون لي صورا، قالها وكأنه يريد ترهيبي حتى أقول "إذا لا داعي لمتابعتهم"، ويوفر على نفسه تعب قضيتي والمشاكل مع السلطات، فما كان لي إلا أن أتراجع للخلف، وأرفض متابعتهم خوفا من الجلسة المفتوحة" يوضح مهيدو.
مولاي أحمد الدريدي، المنسق الوطني لجمعية محاربة السيدا، قال في تصرحات لهسبريس إنه "من واجبنا أن نقدم الدعم والمؤازرة المادية والمعنية لحالة مهيدو إذا اختار أن يرفع دعوى قضائية، لكنه حاليا لم يقدم على أي إجراء يستوجب تدخلنا المباشر، ومن واجبنا أن نعبئ كافة الجمعيات الصديقة من أجل مساعدته".
وأردف الدريدي أن "خيار أن يخرج إلى الجلسات والصحافة بهويته هو خيار شخصي، وجب علينا أن نقوم بتنبيهه إلى تبعات ذلك، لكن في نهاية المطاف يبقى الاختيار بين يديه هو فقط، وليس من حقنا الضغط عليه في أي اتجاه".
قصة لم تنته
قصة مهيدو لم تنته بعد أن علم الجميع بأمر إصابته، انغلق على نفسه، أحس بالإهانة والإقصاء، وجعله يدخل في مشاكل نفسية بسبب الخوف والقلق و"الحكرة، والقمع والاضطهاد.
رفضوا مصافحته باليد، وأصبح الجميع يتجنب مجرد النظر إليه، بل وتجاوز الأمر إلى إزعاج عائلته باتصالات هاتفية، والسؤال عن صحة الأمر.
يقول مهيدو متحديا " أنا مثلي جنسيا، وفقير ومصاب بالسيدا، وهي كلها نقاط ضعفي ومراكز قوتهم، تعايشت مع السيدا لعدة سنوات بكل أمل، لكن التشهير الذي تعرضت له جعلني أنهار كليا".
مهيدو يسعى لرفع دعوى قضائية ضد "البوليس" بعد أن أبدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان استعدادها لقبول ملفه "أعرفهم وأحفظهم واحدا واحدا، لقد دمروا حياتي، وهذه المرة لن أستسلم لذلك انتقاما لي، وتجنبا لأن يحدث ذلك لأناس آخرين". يختتم مهيدو قصة معاناته في مجتمع لا يرحم.
"السيدا صالحتني مع أسرتي"
عائلة الشاب لم تتقبل أمر مثليته الجنسية أول الأمر، أخ أكبر قاسي التعامل، وأبوان رافضان للأمر. غادر الدراسة بعد أن صعب عليه التعايش مع وسط يقصي "المثليين" من التربية والتعليم، وأغلقت جميع الأبواب في وجهه، فطرق آخرها.
"خرجت ليها نيشان، وامتهنت الدعارة لأصرف على نفسي، وأجد مدخولا قارا أسترزق منه" يقول مهيدو بتحسر، قبل أن يضيف "تغير كل شيء في حياتي بعد أن قرر أصدقائي إجراء الفحص الطبي للكشف عن السيدا، اقتنعت بالفكرة ووضعت احتمالين واضحين إما نتيجة سلبية أو إيجابية، وهيأت نفسيتي لتقبل الاثنين".
أخذ "مهيدو" وقته الكافي، واستعد نفسيا لذلك. كانت النتيجة إيجابية، "إنا لله وإليه راجعون" هو كل ما نطق به كرد فعل، ليبدأ رحلة التعايش مع المرض.
سنة 2007 استنجد الشاب بجمعية محاربة داء السيدا التي أرشدته إلى الدار البيضاء من أجل الحصول على الأدوية الضرورية لمتابعة حالته، واستمر في المداومة على المركز الاستشفائي بالعاصمة الاقتصادية كل 3 أشهر، بدون علم عائلته إلى حدود 2008.
"لا زلت أتذكر جيدا، كان ذلك مساء عيد الأضحى حيث اضطررت إلى جلب دوائي إلى منزل العائلة، فضربني أخي ووبختني عائلتي بعد أن اكتشفوا الأمر" عاصفة من النواح والعويل بمنزله طوى بعدها صفحة الدعارة، وعاد إلى حضن أسرة استقبلته من جديد، وحضن جمعية ملأت أوقات فراغه في مساعدة الآخرين، وتحسيسهم بتوزيع وسائل الحماية.
في سنة 2009 بدأ "مهيدو" يشتغل في إطار مشروع جديد لجمعية محاربة السيدا "أصبحت أشتغل بمدخول قار، وأصرف على عائلتي، وارتحت من جانب المال، ولم أفكر بالعودة إلى الدعارة بتاتا، ولم يعد لدي الخوف من الغد"، حيث استمر استقراره إلى حدود 2011 حيث دخلت قصته مسارا آخر.
" بوليس التشهير"
تم القبض على "مهيدو" في حوالي الساعة 9 مساءا في أحد ليالي 2011 ، وهو يقوم بتوزيع العازل الطبي بأحد الأحياء المعروفة بانتشار "المثليين وعاملات الجنس" بمكناس، رفضوا تصديق الأمر، واعتبروا أن توفره على كميات كبيرة من الواقي الجنسي دليل على ممارسته الدعارة، وأجبروه على ركوب سيارة الشرطة.
"خلال فترة التحقيق أخبرت الشرطة أنني حامل لفيروس نقص المناعة المكتسبة، لعلهم يفهموا لماذا أقوم بذلك العمل، وأحظى بقليل من الشفقة. إفصاحي عن احتضاني للفيروس أساء معاملتهم لي بشكل أكبر، وأصبحت مركز سخرية وتهكم، أولا لأني "مثلي"، وثانيا لأني مصاب بالسيدا".
وتابع الشاب "حاكموني على إثر ذلك بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة توزيع الواقي، وأيضا أضافوا إليها تهمة "الشذوذ"، مع العلم أنهم لم يضبطوني في أي وضعية أو أي شكل من الأشكال يثبت ذلك، بل لأنهم لم يعجبهم شكلي وحركاتي" يقول المهدي متحسرا. كان هذا الجزء الأول من قصة التشهير غض عنها الطرف، لكن الجزء الثاني كان سنة 2013 ، "في نهاية شهر دجنبر 2013 كنت أجلس مع صديقة لي بإحدى المقاهي التي تشرب فيها "الشيشة" لمن يطلبها. لم نكن ندخن "الشيشة"، بل كنا جالسين نتصفح فقط الانترنت على حاسوبي بالمقهى، وفجأة اقتحمت الشرطة المقهى، وبدأت في اعتقال كل من يتعاطى "الشيشة" فقط، ومن سوء حظي كان من بين رجال الشرطة الذين اقتحموا المقهى شرطي من الذين اعتقلوني سنة 2011 بسبب توزيع الواقي، وكان يعرف أني مصاب بفيروس نقص المناعة. فقال الشرطي لصديقه "جيب هذاك حتى هو راه كنعرفوا !" واعتقلت بلا سبب مرة أخرى، لا لشيء سوى أن الشرطي يعرف أنني مصاب بالفيروس".
وفي المخفر، انتشر خبر مرض "مهيدو" بين المعتقلين الذين يعرفون وجهه بالمدينة بسبب طبيعة عمله مع الجمعية وتوزيعه الواقي لعدة سنوات. "كان تعامل الشرطة معي لا إنسانيا، فمثلا قيل لي "احمل هذا القلم ووقع على الورقة، وارم بعد ذلك القلم في القمامة"، يقول المهدي.
أخبروا أحد أفراد الشرطة خارج أوقات عمله بأمره لمجرد أنه ابن الحي الذي يقطن به، ومن خلاله بات بعض سكان الحي أيضا يعلمون بأمر مهيدو. "خلال فترة احتجازي طالبت الشرطة بأن أشرب دوائي، لكنها حرمتني منه طيلة 3 أيام رغم خطورة الأمر".
من يحمي المهدي؟
اعتقل الشاب من مكان عمومي بالقرب من ولاية الأمن سنة 2011، وحوكم، ولم تحرك جمعية مكافحة السيدا ساكنا، على حد قوله، رغم أنه كان يعمل معهم رسميا، وتنكروا له وكان ردهم أنه يوزع الواقي الجنسي خارج وقت عمله.
فكر في مغادرة الجمعية، لكنه لم يستطع، لأنها المصدر الوحيد الذي يجني منه مالا للعيش، واضطر للاستمرار معهم "رغم عدم دفاعهم عنه"، يورد مهيدو الذي زاد " لجأت لجمعية محاربة السيدا لتساعدني، وقدمت لهم تقريرا عما حصل، وقالوا إنهم سيتصلون بجمعية حقوقية لمساعدتي".
وتابع "اتصلوا بي بعد مدة للحضور إلى الجمعية، وقال لي المسؤول هناك أنه ممكن أن أرفع دعوة على من قام بالتشهير بي، ولكن الجلسة ستكون مفتوحة، ومن لم يعرف بعد أني مصاب سيعرف، وربما يلتقطون لي صورا، قالها وكأنه يريد ترهيبي حتى أقول "إذا لا داعي لمتابعتهم"، ويوفر على نفسه تعب قضيتي والمشاكل مع السلطات، فما كان لي إلا أن أتراجع للخلف، وأرفض متابعتهم خوفا من الجلسة المفتوحة" يوضح مهيدو.
مولاي أحمد الدريدي، المنسق الوطني لجمعية محاربة السيدا، قال في تصرحات لهسبريس إنه "من واجبنا أن نقدم الدعم والمؤازرة المادية والمعنية لحالة مهيدو إذا اختار أن يرفع دعوى قضائية، لكنه حاليا لم يقدم على أي إجراء يستوجب تدخلنا المباشر، ومن واجبنا أن نعبئ كافة الجمعيات الصديقة من أجل مساعدته".
وأردف الدريدي أن "خيار أن يخرج إلى الجلسات والصحافة بهويته هو خيار شخصي، وجب علينا أن نقوم بتنبيهه إلى تبعات ذلك، لكن في نهاية المطاف يبقى الاختيار بين يديه هو فقط، وليس من حقنا الضغط عليه في أي اتجاه".
قصة لم تنته
قصة مهيدو لم تنته بعد أن علم الجميع بأمر إصابته، انغلق على نفسه، أحس بالإهانة والإقصاء، وجعله يدخل في مشاكل نفسية بسبب الخوف والقلق و"الحكرة، والقمع والاضطهاد.
رفضوا مصافحته باليد، وأصبح الجميع يتجنب مجرد النظر إليه، بل وتجاوز الأمر إلى إزعاج عائلته باتصالات هاتفية، والسؤال عن صحة الأمر.
يقول مهيدو متحديا " أنا مثلي جنسيا، وفقير ومصاب بالسيدا، وهي كلها نقاط ضعفي ومراكز قوتهم، تعايشت مع السيدا لعدة سنوات بكل أمل، لكن التشهير الذي تعرضت له جعلني أنهار كليا".
مهيدو يسعى لرفع دعوى قضائية ضد "البوليس" بعد أن أبدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان استعدادها لقبول ملفه "أعرفهم وأحفظهم واحدا واحدا، لقد دمروا حياتي، وهذه المرة لن أستسلم لذلك انتقاما لي، وتجنبا لأن يحدث ذلك لأناس آخرين". يختتم مهيدو قصة معاناته في مجتمع لا يرحم.




0 التعليقات:
إرسال تعليق