"المواطنة"، ذلك المفهوم الذي ظل مرادفا للعديد من المشاريع الوطنية وتتغنى به وسائل الإعلام الرسمية، والذي حل ضيفاً جديداً على المغاربة في نص الدستور الجديد.. تناوله أكاديميون وباحثون في ندوة "مجتمع المواطنة وترسيخ قيم الحرية والإبداع" بالتشريح والتحليل، حيث خلص الحضور إلى أن المفهوم لصيق بالحرية والديمقراطية والمساواة، ويحرر الإنسان من انتماءاته التقليدية، ليصبح في النهاية إنساناً "حداثيا"..
عالم الاجتماع المغربي، ادريس بنسعيد، اعتبر، في الندوة التي استضافها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتنسيق مع اتحدا كتاب المغرب يوم السبت بالرباط، أن المواطنة تتعرض للاغتيال إذا ما تم فصلها عن سياقها التاريخي والمجتمعي، مشيرا إلى أن المفهوم هو نتيجة لثورة فكرية جاءت بعد صراعات سياسية تاريخية كبيرة، "لقد أخرجت لنا مفهوما يحقق انتماءً إلى الوطن والموطن.. بعيدا عن العرق والدين والجنس"، على أنه ظل مفهوما، في نظر بنسعيد مرتبطا بالحرية والديمقراطية والمساواة.
الباحث السوسيولوجي بجامعة محمد الخامس بالرباط، ذهب القول إن المغرب يعيش أزمة مواطنة وأن الكل يحاول تَمَلُّكَها، عبر تصريفها داخل مشاريع وسياقات مختلفة، موضحا أن هناك ثلاثة مشاريع تحوم حول المواطنة، أقواها في نظره، "مشروع الدولة" الذي يستند على "الدولة العصرية الحداثية" و"دولة إمارة المؤمنين"، و"المخزن، الذي اختفى من الخطاب لكنه تعزز في الواقع".
أما المشروع الآخر الذي يحاول تملك المواطنة، حبس بنسعيد، فهو "الإسلام السياسي"، الذي رسخ لمشروعية الانتماء على أساس "الأمة"، وليس إلى الوطن، مرتكزا على مقولة "جنسية المسلم هي دينه"؛ فيما أشار الباحث الأكاديمي إلى أن خصائص المجتمع المغربي تجعل من الصعب الفصل بين ما هو ثقافي وسياسي، لكنه في المقابل يرى أن المشروع السياسي لا يمكن أن ينجح إلا أن يكون مشروعا فكريا.
من جهته، عرف الباحث الأكاديمي في الفلسفة، محمد المصباحي، المواطنة بكونها تحريرا للإنسان من الانتماء التقليدي "ليصبح كائنا عاماً وحداثيّا وفاعلا في الحياة السياسية العامة"، معتبرا أن المواطنة مرادفة للسياسة، ما جعله يخلص إلى أن العزوف عن السياسية والمشاركة السياسية للمجتمع هو عزوف عن المواطنة.
في المغرب، تبقى "المواطنة" مهددة بالزوال والضمور، حسب المصباحي، الذي أكد أنها كنت قوية في عهد الاستقلال الأول، أما بعد تكاثر الأصوليات الدينية والثقافية بعد تلك الحقبة من التاريخ المغربي، "فقد أصبحنا مهددين بمواطنة في حدها الأدنى"، ما يهدد مستقبل المغرب، حسب المتحدث.
مؤسس الجمعية المغربية للبحث في الفلسفة الإسلامية ينظر للمواطنة كثمرة للديمقراطية والعلمانية على حد سواء، وأنها أداة مسخرة لهما في الوقت ذاته، معتبرا أن "الربيع العربي" تعامل مع المواطن كـ"جماهير"، أي كشارع يمكن أن يستخدم ويستدرج بسرعة كأداة للرجوع إلى الوراء، "عوض تدشين عهد جديد يهتم بالإنسان كمواطن وفق مقومات العدالة"، مشددا على أنه من المفترض أن تبقى المواطنة أداةً للتحريض والتعبئة من أجل بناء مغرب حديث.
أما بن يونس المرزوقي، فذهب بالقول إن أن الانتماء إلى المجتمع والدولة والأمة والشعب تحيل دائما إلى "الخضوع"، فيما خلص إلى أن المواطنة، التي تضمنها نص دستور 2011 في أكثر من مناسبة، منحها مباشرة بين أحضان المواطن، فيما يتم إسناد تنظيمها إلى الدولة عبر مؤسساتها؛ قبل أن يختم مداخلته المختصرة بكون "الدولة هي للأخذ والمواطن للعطاء".
"الحقل الحزبي يلعب دورا مركزيا في التربية على المواطنة"، هكذا استهل الناشط الحقوقي، الحبيب بلكوش، الذي أوضح أن الأخيرة مشروع مجتمعي "يجب أن تتبناه المؤسسات الحزبية بكل قوة".
وسجل رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، تدنيّا في انخراط المجتمع المغربي في الأنشطة السياسية منذ عام 1997، ما يشير وفق المتحدث إلى مفارقة في مسار المغرب الحديث، بالرغم من اتساع دائرة الحرية والديمقراطية "ولو بشكل نسب في الآونة الأخيرة".
بلكوش شدد على مكانة المعرفة والثقافة داخل الحقل السياسي، منبها إلى عدة ممارسات سياسية يتمثلها السياسيون داخل البرلمان وفي الفضاءات العامة من شأنها تقويض المواطنة "وبالتالي الدفع إلى الانسحاب المجتمعي من الاهتمام بالسياسة".
وقال بلكوش إلى المجتمع بحاجة إلى إعطاء النخب مكانتها، للوقوف ضد من أسماهم النخب التقليدية "التي تشكل خطرا على المغرب ومستقبله"، داعيا إلى إعادة التعاقد الحزبي بين المواطن، لكسب معارك على مستوى الانتخابي والاجتماعي والسياسي.
وفي مقاربة سوسيولوجية للتحولات القيمية بالمغرب، أشار الباحث المغربي رشيد الجرموني، إلى وجود تحولات عميقة داخل المجتمع المغربي إلى درجة التقاطع بين الفكر والسلوك، وهو التحول الذي ظهر جليا إبان فترة ثورات الربيع العربي، حيث هناك قيم يعاد ترميمها لتكون مناسبة مع اللحظة التاريخية الراهنة.
وينتقد الجرموني فكرة التسليم بتحول المجتمع التقليدي إلى الحداثة في الحالة المغربية، "يجب أخذ الحذر في تنزيل تكل القراءات التي تم استنتاجات بناءً على دراسات"، مشيرا إلى أن التحولات العامة التي حدثت تستند على خمسة معطيات، وهي "تسريع عمية التغيرات المجتمعية" و"توسع ظاهرة الدّمَقرطة واللّلَبرَلَة"، و"حدوث ثورة تربوية عالمية" و"ارتفاع حالة الإشباع في الحياة"، إضافة إلى "السيرورة المتقدمة للعولمة"، وهي التحولات التي ساهم فيها تقدم وسائل التواصل في العالم والتغيرات السياسية، وفقا للجرموني.
وأضاف الباحث المغربي إلى تلك المعطيات الخمس تحولين اثنين، هما معطى "السلطة"، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، و"الرجوع إلى الدين"، خاصة ما يهم علاقة الدين بالسياسة، فيما خلص المتحدث إلى أن التحولات التي طالت المجتمع المغربي يصعب رصدها ولا يمكن السم فيها، إلا أنها "لم تقطع مع التراث ولم تتوغل في الحداثة".



0 التعليقات:
إرسال تعليق