" يأكلُون الطعَام ويمشُون فِي الأسواق"، توصيفٌ ظلَّ يترددُ فِي قراءَة سلوك وزراء حزبِ المصباح، بعدَ تقلد مهامهم، فبينَ منْ لا يتوانَى عنْ طردِ البرد بأكلة البيصارة الشعبيَّة، كما فعلَ عزيز الربَّاح، وزير النقل والتجهِيز واللوجستِيك، قبل مدَّة، وشراء وزير التعليم العالي الخضر بنفسه، وصُولًا إلى رئيس الحكومة، الذِي ظهر في فيديُو حديثٍ، وهُو يرقصُ مع حفيديه، على إيقاعٍ نشيدٍ، ينبثقُ أسلوبٌ جديد لدَى ساسَة المغرب، فِي التعاطِي مع الإعلام، سيمَا أنَّ الكثيرَ مما راجَ يقعُ في المسافة التِي يفترضُ أنْ تطوقَ بالخصوصيَّة.
ردُود الفعل التِي تلِي تسربَ جانبٍ من حياةِ الوزراء الشخصيَّة غالبًا ما تسيرُ فِي منحيين، أولُهمَا يستحسنُ ما يعتبرهُ تواضعًا من الوزرَاء، بعدمَا ألفَ المغاربَة فئة نخبويَّة من الساسة تتعالَى عليهم بلغتها ونمط عيشها، وكذَا نمط تواصلها، فيمَا يذهبُ منتقدُون إلَى أنَّ المواطنَ المغربيَّ لا يهتمُّ بحياة المسؤولِين الشخصيّة، بقدر ما يؤرقهُ الوضعُ المعيشي، منبهًا إلى أنَّ ما يسربُ عنْ الوزراء ويظهرُ بساطتهم، ليس سوى حملةً دعائيَّة غايتها خدمَة صورتهم، وأنَّ كلَّ شيءٍ مدروسٌ بعناية.
وبالعودةً إلى فيديُو رئيس الحكومة، وهو يرقصُ مع حفيده، يقدمُ الأستاذ الباحث في علم النفس، مصطفى شكدالِي، فِي حديثٍ لهسبريس، قراءَة يرَى في مستهلها، أنَّ ثمَّة ضرورةً لمعرفَة مصدر مشاركة الفيديو، على اعتبار أنَّه صور في البيت، وبين أفراد العائلَة، لأنَّ تبين الطرف الذِي بثَّه للعموم من شأنهِ أنْ يعينَ على قراءةِ المراد منه.
شكدالِي يردفُ أنَّ اللافتَ فِي الفيديُو، وهو ما استطاع أنْ يجذبَ متابعينَ كثرًا في ظرفٍ وجيز، هو انتقال شيءٍ يفترضُ أنَّه في حدود الخاص إلى مجَال العام، "لأنَّ من حقِّ بنكيران أنْ يرقص مع حفيديه وأنْ توثقُ الأجواء العائليَّة في الفيديُو"، لكن غير المعتاد هو أنْ يخرج للعلن، وتتباينَ القراءاتُ إزاءَه، بينَ منْ يرَى فيه مؤشرًا على كون بنكيران رجلًا متواضعًا يعيشُ بطريقةٍ عاديَّة ودون اصطناع.
لكنْ بالموازاةِ مع القراءةِ التِي ترَى في الفيديُو مؤشرًا على التواضع، هناكَ قراءةٌ أخرى تطرحُ فرضيَّة "التظاهر بالتواضع"، وتقدِيم صورةً إيجابيَّة عن رئيس الحكومة، سيمَا أنَّ المغاربَة ظلُّوا إلى أمدٍ قريب، لا يعرفُون على مسؤولِيهم ووزرائهم سوى ما ينقلُ عنهم رسميًّا، بخلافِ دول أخرى، يولِي فيها الناسُ أهميَّة كبرى لحياة الساسة الشخصيَّة، كما هو الشأن في الولايات المتحدَة.
" الجوانب الشخصيَّة غير ذات أهميَّة، فِي تقديرِي، لدَى الحكم على رجل السياسيَّة، لأنَّ ما يجبُ أنْ يحاسب عليه بالأحرى هو مدَى الوفاء للبرنامج السياسي، وعلى الخطاب الذِي يقدمهُ بشكلٍ رسمِي أمام البرلمان، لا ما ينقلُ عنه من البيت مع أحفاده"، يستطردُ شكدالِي.
وعنْ السبب الذِي يجعلُ كلَّ فيديُو يتطرقُ إلى جوانب من شخصيَّة رئيس الحكومة يلاقِي إقبالًا منقطع النظِير، أوضحَ الباحث ذاته، أنَّ كل ما هو غير مألوف وغرائبِي لا يمكنُ إلَّا أنْ يحظَى بالاهتمام، لأنَّه جديدٌ وطارئٌ على الناس، زيادةً على الدور الذِي تضطلعُ به مواقع التواصل الاجتماعِي، في المشاركة، والتعليق على شيءٍ لمْ يعهدُوه، وهُو ما ينسحبُ على مجمُوعة شخصيَّاتٍ استطاعتْ عبر موادٍ صادمَة، وإنْ كانتْ غير ذات محتوى كبير، أنْ تبلغ ملايين المشاهدات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق