أعاد التقرير "الأسود" الصادر أخيرا عن مجلس أوروبا، والذي أقر بتلقي قضاة المغرب لرشاوى، الحديث مرة أخرى على واقع الفساد في السلطة القضائية، مشيرا إلى أن القانون المغربي لا يمنع القضاة من تلقي "الهدايا"، هذا في الوقت الذي لا تزال فيه متابعة القضاة المعزولين من سلك القضاء، جارية بناء على عقوبات تأديبية أصدرها المجلس الأعلى للقضاء العام الماضي.
وتمت إحالة عدد من القضاة المتهمين بقضايا فساد على القضاء أخيرا، من قبيل نائب الوكيل العام للملك لدى استئنافية الجديدة، المتهم بتلقي رشاوى، بعد أن تم عزله من طرف المجلس الأعلى للقضاء، والتشطيب على قاضي طنجة نجيب البقّاش المتابع بالتهمة ذاتها، وهي حالتان ضمن أخرى أصدر في حقها المجلس الأعلى للقضاء، العام الماضي، قرارات تأديبية بناء على تقارير وشهادات المُتّهمِين.
الناشط الحقوقي محمد المسكاوي، قال لهسبريس إن التقرير الدولي الصادر عن المجلس الأوروبي ساهمت فيها هيئات حقوقية مغربية، من ضمنها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي تضم أيضا الشبكة المغربية لحماية المال العام، مستغربا "كيف يعتمد المغرب تقريرا دوليا ساهمت فيه جهات حقوقية مغربية ولا يقبل بتقارير وطنية تصدرها تلك الهيئات"، مضيفا أن التقرير أعطى تحليلا لوضعية خطيرة يعرفها المغاربة منذ زمن، هي الرشوة والفساد في سلك القضاء.
رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام أوضح أن تعدد المؤسسات التي تنخرها الرشوة "لا يدفع إلى تجاوز أو تناسي مؤسسة القضاء لأنها ركيزة أي إصلاح وضمان الحريات والحقوق"، مشيرا إلى أن المغرب وقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "ما يستدعي التركيز على تشريح التقارير الصادرة حول الرشوة والفساد وتفعيل مقترحاتها العملية".
وحمل المسكاوي الحكومة، وعبرها وزارة العدل والحريات، المسؤولية في مواجهة الرشاوى في سلك القضاء، "لا يجب التوقف فقط عند التقارير بل يلزمنا التوجه صوب مبادرات عملية للوصول إلى قضاء نزيه وعادل وخالٍ من الرشوة"، موردا أن الحكومة لا تتوفر على إرادة سياسية لمواجهة تلك الجرائم الإدارية والمالية.
من جهته، قال ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، إن انتشار الفساد في القضاء، إلى جانب قطاعات أخرى، يسيء إلى سمعة المغرب ويؤثر على رصيده الدولي، مشيرا من جهة أخرى إلى أن نادي القضاء طالب بإيقاف بث جميع المتابعات التأديبية التي أصدرها المجلس الأعلى للقضاء، من أجل الطعن في قراراته "ضمانا للمحاكمة العادلة والتنزيل الديمقراطي للدستور".
وأضاف مخلي، في تصريح لهسبريس، أنه يجري الإعداد لـ"ميثاق السلوك" الخاص بالقضاء، قصد تخليق القطاع وتوجيه سلوكات القضاة بما يتناسب مع المعايير الأخلاقية وطنيا ودوليا، "نرمي إلى المساهمة في تخليق منظومة العدالة وتثبيت الأعراف المهنية وترسيخ قواعد السلوك القضائي".
وشدّد مخلي على أن تصريح القضاة بممتلكاتهم، إسوة بنادي قضاة المغرب، كفيل بترسيخ سلوك قضائي راقٍ ويتيح جوا من الشفافيّة، معتبرا أن إصلاح القضاء يستوجب إجراءات فعالة ومبادرات تشاركية تضم كل الفاعلين والمتدخلين في سلك القضاء.
وكان المجلس الأعلى للقضاء قد اتخذ السنة الماضية قرار العقوبة بالعَزل في حق قاضِيَين، وعقوبة العزل مع حفظ الحقوق في التقاعد في حق قاضيَين آخرين، وعقوبة الإحالة إلى التقاعد التلقائي في حق 5 قضاة، وعقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل في حق 9 قضاة، وعقوبة التأخير عن الترقي من رتبة إلى رتبة أعلى في حق قاضية واحدة، وعقوبة الإنذار في حق قاضيين اثنين والبراءة لفائدة 3 قضاة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق